الرئيسية مقالات أكوام الإهانة

أكوام الإهانة

moda 1304
أكوام الإهانة
واتساب ماسنجر تلجرام
بقلم / أ.ح عميد رؤوف جنيدى
“رصــــــــــــــد الـــــــــوطـن”

بادءا ذى بدء : اللهم بعد العمر المديد أسكن هذا الرجل فسيح جناتك واجعله يا ربى يتكئ فيها على رفرف خضر وعبقرى حسان . بعد أن اتكأ فى دنياه على عصا مكنسته التى لا تسمن من هزال . ولا تغنى من جوع . ولا تسند من دوار . بعد أن قضى هذا الرجل يومه جوالا بين أكوام الذل وصناديق اليأس . يرفع عن شوارعنا قبح بقايا الاسياد وفتات طعامهم . بعد أن أكلوا لحم الحياة وألقوا عليه عظامها . وبعد أن التهموا خيرها وألقوا عليه شرها . فما ناله من شرفات منازلهم الا كل ما يلوث حياته . وينشر على أيامه كل ما يذهب الطهر والعفاف .

راح الرجل بعد عناء يوم كريه الرائحة . تنفث الأكوام من حوله حمما من الكآبة وضيق النفس .راح يلقى برأسه مستندا على عصا ما هش بها على غنم . وما كان له فيها مآرب أخرى . بل دائما ما كان يهش بها على اوراق تتطاير . وأكياس تعانده برقصات رعناء ما طربت لها أذنه ولا استمتعت بها عينه . فكم تمنى لها أن تسكن بلا حراك . يرمى الرجل بسهام ناظريه طاعنا فى سنوات عمره التى تقارب الستين عدا . وتقارب التسعين ذلا واعياءا . شرد الرجل عبر سنواته الستين . راح يقلب كفيه على ما أنفق فى حياته . بعد أن باتت خاوية على عروشها الا من الرضا بما قسم الله له .
فتلك زوجة كان قد عاهدها يوما على كريم العيش . تنتظره فى نهاية كل يوم عائدا لها خالى الوفاض وبكفين ما ملأهما الا القناعة والرضا بمراد الله . وبقايا حفيف العصا على باطن كفيه . وظهرا انحنى للأسف أمام ما عفت عنه نفوس . وما تأففت من بقاءه فى منازلهن زوجات كزوجته هذه .

وذاك ابن شب عوده يوما بعد يوم أمام أعين أبيه . بات الولد يافعا يطاول أبيه قامة . ينظر إليه فى ذاكره أيامه . كم تمنى أن يعلمه ليحمل أعلى الشهادات العلمية . بعد أن يتخرج فى كلية مرموقة . كم تمنى أن يحمل عنه ابنه مشقة الحياة ومعاناتها . ولكن ناء كاهل الرجل فى أولى سنوات تعليم ابنه . بعد أن أعيته النفقات ليتسرب الابن من التعليم . وها هو الآن رجلا آن له أن يكمل نصف دينه . فكفاه أنه لم يكمل تعليمه . ولكن لا طاقة للرجل بالزواج وهمومه . ترى هل يسربه أبوه من الحياة كما سربه من التعليم ؟.

وهذه ابنته زهرة حياته . تلك الحسناء التى ما وجد حسنا للحياة إلا إذا نظر فى وجهها . هى أرق وأحن ما حصد فى دنياه . هى النبتة الخضراء فى بيداء عمره وصحراء حياته . هى الوردة التى تفتحت لتملأ حياته بشذى الحنان وعبقه . بعد أن أزكمت أنفه روائح القبح التى كثيرا ما تفجرت فى وجهه . سرح الرجل فى حسناءه اليافعة النافعة التى استعاض عن تعليمها هى الأخرى بحسنها وجمالها . فهو رأس مالها الذى ما أن طرحته فى أسواق الغرام الا وجاء بأحسن العشاق واغلاهم . ولكن ها هى العروس تمر بها السنون . فلا زائرا للقلب . ولا طارقا بباب الوالد . فمن سيطرق بابه سائلا عن عروس وهو من يطرق الأبواب سائلا عن أكياسه . تلك اذا قسمة ضيزى …

جلس الرجل شارد الذهن . يمر من أمامه شريط حياته الذى لا يعرف له نهاية . جلس مستندا على عصاه يفكر . لو أنه ألقاها فاذا هى تلقف ما يأفكه المسؤولون من وعود وتصريحات ما عادت عليه يوما بنفع . تلقف الفقر والحاجة من حياته . تلقف كبرا ولا مبالاه يرتع فيها مجتمعه . تلقف أنفسا شح لا تعرف الرحمة . تلقف اياد ما امتدت له الا بقمامتها . كم تمنى الرجل أن يضرب بعصاه بحر الحياة الهائج دوما فى وجهه ليشق له طريقا يبسا لا يخاف بعده من الفقر دركا . ولا يخشى من بعده جور الزمن وعذاباته . ولكنها حكمة الله التى لا نعرفها . ولكننا نعرف جيدا أن لهؤلاء حق علينا .
يا سادة : هذا بعير أناخته الشيخوخة والهوان . فان لم نعينه على النهوض بحمله . فبالأحرى لا نكون القشة التى قصمت ظهره ….. فكفى بالرجل …… أكوام الإهانة .

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *