الرئيسية ثقافة الشيخ رأفت حمزة من علماء الأزهر الشريف يكتب : الإسلام دين السلام

الشيخ رأفت حمزة من علماء الأزهر الشريف يكتب : الإسلام دين السلام

moda 1185
الشيخ رأفت حمزة من علماء الأزهر الشريف يكتب : الإسلام دين السلام
واتساب ماسنجر تلجرام
متابعة : منال محمد الغراز 
“رصــــد الــــــوطــــــن”

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فالإسلام هو دين السلام لجميع البشر ولا يمكن أن يجتمع العنف والاعتداء مع السلام الذي يدعو إليه القرآن الكريم في كثير من آياته
وأكدت الدراسة أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال وعدم الغلو وينبذ التطرف الفكري والاعتقادي وأشارت الدراسة إلى تشديد الإسلام في تحريم قتل النفس والحث على التعاون ونبذ البغضاء والشحناء ليعيش كل الناس في سلام بغض النظر عن دينهم وهويتهم
ونوهت إلى أن الحدود التي فرضها الإسلام ومنها حد الحرابة وحد القصاص وحد البغي إنما تهدف أصلا إلى منع وقوع الجريمة في الأساس وسد كل المنافذ أمام الذين قد يفكرون في ترويع الناس وتعكير أمنهم كما نوهت الدراسة إلى أن التعامل الحسن مع غير المسلمين يدخل ضمن تعاليم الإسلام التي ترفض إكراه الآخرين على اعتناق الدين الإسلامي بل حفظ لهم الإسلام كامل حقوقهم المالية والأخلاقية والاجتماعية
يتعرض الإسلام والمسلمون للاتهام بالإرهاب والعنف والتطرف بل إن بعض وسائل الإعلام اليوم أصبحت تبرز الإرهاب وكأنه صفة ملازمة لهذا الدين ولمعتنقيه وقد نسبت بعض وسائل الإعلام وبعض الكتاب الإرهاب إلى الإسلام زعما أن تعاليم الإسلام وأحكامه وبعض آيات القرآن الكريم تدعو إلى الإرهاب وتوجه المسلمين إلى سلوك طريقه ويزعمون اشتمال آيات القرآن والأحاديث النبوية ودلالتها على ذلك إما بالنص أو بالمعنى وهذا يخالف الحقيقة تماما
الإسلام يحارب الإكراه بكل صوره وأشكاله لأن الإكراه يؤدي إلى نقيض المطلوب وإلى شيوع النفاق الذي هو قاعدة الغدر والخيانة والتربص لأن الإكراه ضرب من ضروب الإرهاب حتى في مسألة اعتناق الإسلام لم يشرع المولى سبحانه إكراه الناس على ذلك فقال سبحانه: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع }
لأن الإيمان قناعة وقبول قلبي والقلب لا سلطان عليه إلا لخالقه الذي يقول: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه}
والقناعة الذاتية وحرية الإنسان في الاختيار تجعله طبيعيا يتحمل المسؤولية ويكون إيمانه قويا يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } [
بل إن المكره لا يحاسب في الإسلام عما يفعل حال الإكراه المؤدي إلى ضرر يلحق به
ولقد سمت شريعة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين سموا لم يرق إليه قانون من القوانين البشرية أو نظام من الأنظمة إذ حفظ لهم الإسلام حقوقهم المالية والأخلاقية والاجتماعية كما حفظ أموالهم وأرواحهم وأعراضهم ولم يكرههم على ترك دينهم أو ما هو أدنى من ذلك فخاطب القرآن الكريم أهل الكتاب خطابا راقيا بقوله سبحانه وتعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}
فهذا تشريع الإسلام في الدعوة ذلك التشريع القائم على مبدأ الحوار والإقناع بالحجة دون إكراه
وقال صلى الله عليه وسلم في حق أهل الكتاب: لهم ما لنا وعليهم ما علينا
وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حين رأى يهوديا مسنا يسأل الناس ما معناه: والله ما أنصفناه أخذنا منه في شبيبته وننساه في شيبته اضربوا له من بيت المال أي اجعلوا له خراجا يعيش منه
ووجه القرآن الكريم إلى حسن معاملتهم والتعامل معهم بل برهم والقسط إليهم يقول المولى سبحانه وتعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }
وأعطى لهم المولى سبحانه وتعالى حق الاستجارة بالمسلمين قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون } ليس لأن تمن عليه أو تستغل ضعفه لأي شيء آخر إنما لقصد سماعه كلام الله
وقال صلى الله عليه وسلم في ذلك ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة
وقال عليه الصلاة والسلام: من آذى ذميا فأنا خصيمه، ومن كنت خصيمه خصمته يوم القيامة
وحرم الله سبحانه وتعالى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق فحرمة الأنفس على إطلاقها مكفولة في الشريعة الإسلامية قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما)
إن الغلو في الدين هو الطريق إلى التطرف الفكري والاعتقادي والفهم الخاطئ للدين قد يدفع الإنسان إلى محاولة فرض ما يعتقده ويؤمن به بالقوة وهذا ما أثبته الواقع المشاهد
وقد نهت الشريعة الإسلامية عن الغلو في الدين وحذرت المسلمين منه حتى لا ينجرفوا وينحرفوا، فجعل الله هذه الأمة وسطا لأن دينهم كذلك قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}
ومثل هذا التوجيه جاء صريحا لأهل الكتاب قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل)
فالغلو خلاف الوسطية فإذا كانت الوسطية تعني الاعتدال والتوازن في الأمور كلها فإن الغلو يعني الشقة والتضييق على النفس ووسطية الإسلام توازن بين الأحكام فلا غلو وتشدد ولا تفلت ولا تسيب، فلا إفراط ولا تفريط في الإسلام وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل العملي في ذلك مع بعض الصحابة الذين شددوا على أنفسهم بحثا عن المزيد من الطاعة فقال أحدهم: أصوم الدهر كله ولا أفطر وقال الآخر أقوم الليل كله ولا أنام وقال الثالث لا أتزوج النساء
فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا درسا عميقا في الوسطية والاعتدال حيث قال صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني
حيث إن ذلك بعيد عن روح الإسلام ومبادئه التي بينت على التيسير وعدم التنفير وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم
وقد قال سبحانه وتعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} وقال:{وما جعل عليكم في الدين من حرج}
وقال سبحانه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}
ووسطية الإسلام تحصين للمجتمع من الإفرازات التي يمكن أن توجد بسبب التضييق من المتطرفين الذين يعتمدون على نظرة ضيقة للكون وللحياة وينطلقون منها إلى تخطئة كل رأي مخالف لهم باسم الدين ويدينون كل فكر مخالف لفكرهم باسم الدين الأمر الذي ينتهي بهم إلى تكفير الناس بل والنيل من أعراض العلماء ووصمهم بصفات غير لائقة فالغلو في الدين باب إلى التطرف الذي يقود إلى العنف والسعي إلى إلزام المخالف رأيه بالقوة
نسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يردنا إليه رداً جميلا
اللهم أرنا الحق حقا ووفقنا لاتباعه وأرنا الباطل باطلا ووفقنا لاجتنابه وأن يحفظ مصر من الفتن ماظهر منها وما بطن

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *