الرئيسية مقالات شم النسيم ما بين الحلال والحرام

شم النسيم ما بين الحلال والحرام

ahmed-hefny 1510
شم النسيم ما بين الحلال والحرام
واتساب ماسنجر تلجرام

 

أحمد حسان

 

إن الله عزوجل اختار لنا الإسلام ديناً كما قال تعالى:”إن الدين عند الله الإسلام” [آل عمران:19]، ولن يقبل الله تعالى من أحد ديناً سواه كما قال تعالى:”ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين” [آل عمران:85]. وقال النبى سيد ولد ادم  –صل الله عليه وسلم-:”والذي نفسي بيده لا يسمع بى يهودى ولا نصرانى ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به إلا كان من أصحاب النار” رواه مسلم (153). وجميع الأديان الموجودة فى هذا العصر (سوى دين الإسلام) أديان باطلة لا تقرب إلى الله تعالى. بل إنها لا تزيد العبد إلا بعداً منه سبحانه وتعالى بحسب ما فيها من ضلال.
وقد أخبر النبى –صل الله عليه وسلم- أن فئاماً من أمته سيتبعون أعداء الله تعالى في بعض شعائرهم وعاداتهم. وذلك في حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صل الله عليه وسلم. قال:”لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن؟” أخرجه البخاري (732) ومسلم (2669).
وفى حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال الرسول صل الله عليه وسلم-:”ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله” أخرجه الحاكم (1/129).
وقد وقع ما أخبر به النبى صل الله عليه وسلم. وانتشر في الأزمنة الأخيرة فى كثير من البلاد الإسلامية؛ إذ اتبع كثير من المسلمين أعداء الله تعالى في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم. وقلدوهم فى بعض شعائرهم. واحتفلوا بأعيادهم.
وكان ذلك نتيجة للفتح المادى. والتطور العمرانى الذى فتح الله به على البشرية. وكان قصب السبق فيه فى الأزمنة المتأخرة للبلاد الغربية النصرانية العلمانية. مما كان سبباً فى افتتان كثير من المسلمين بذلك. لا سيما مع ضعف الديانة في القلوب. وفشو الجهل بأحكام الشريعة بين الناس.
وزاد الأمر سوءاً الانفتاح الإعلامي بين كافة الشعوب والبلدان المجاورة حتى غدت شعائر الكفار وعاداتهم تُنقل مزخرفة مبهرجة بالصوت والصورة الحية من بلادهم إلى بلاد المسلمين عبر الفضائيات والشبكة العالمية –الإنترنت- فاغتر بزخرفها كثير من المسلمين.
وقد لاحظت –كما لاحظ غيري- احتفال كثير من المسلمين في مصر بعيد شم النسيم واحتفال غيرهم في كثير من البلدان العربية والغربية بأعياد الربيع على اختلاف أنواعها ومسمياتها وأوقاتها، وكل هذه الأعياد الربيعية .فيما يظهر. هى فرع من عيد شم النسيم. أو تقليد له.
لأجل ذلك رأيت تذكير  المسلمين ببيان خطورة الاحتفال بمثل هذه الأعياد الكفرية على عقيدة المسلم.

منشأ عيد شم النسيم وقصته:
عيد شم النسيم من أعياد الفراعنة. ثم نقله عنهم بنو إسرائيل. ثم انتقل إلى الأقباط بعد ذلك. وصار فى العصر الحاضر عيداً شعبياً يحتفل به كثير من أهل مصر من أقباط ومسلمين وغيرهم.
كانت أعياد الفراعنة ترتبط بالظواهر الفلكية. وعلاقتها بالطبيعة. ومظاهر الحياة؛ ولذلك احتفلوا بعيد الربيع الذى حددوا ميعاده بالانقلاب الربيعى وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس فى برج الحمل.
ويقع في الخامس والعشرين من شهر برمهات .وكانوا يعتقدون. كما ورد فى كتابهم المقدس عندهم . أن ذلك اليوم هو أول الزمان. أو بدء خلق العالم.
وأطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم (عيد شموش) أي بعث الحياة، وحُرِّف الاسم على مر الزمن، وخاصة في العصر القبطي إلى اسم (شم) وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله.
يرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسمياً إلى عام 2700 ق.م أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفاً ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة (أون) وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.

بين عيد الفصح وشم النسيم:
نقل بنو إسرائيل عيد شم النسيم عن الفراعنة لما خرجوا من مصر. وقد اتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال الفراعنة بعيدهم.
واحتفل بنو إسرائيل بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم. وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح. والفصح ترجع اصلها الى اللغه العبرية معناها (الخروج) أو (العبور). كما اعتبروا ذلك اليوم . أى انه يوم بدء الخلق عند الفراعنة. رأساً لسنتهم الدينية العبرية تيمناً بنجاتهم. وبدء حياتهم الجديدة.
وهكذا انتقل هذا العيد من الفراعنة إلى اليهود. ثم انتقل عيد الفصح من اليهود إلى النصارى وجعلوه موافقاً لما يزعمونه قيامة المسيح. ولما دخلت النصرانية مصر أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء الفراعنة ويقع دائماً في اليوم التالى لعيد الفصح أو عيد القيامة.
كان الفراعنة يحتفلون بعيد شم النسيم. إذ يبدأ ليلته الأولى أو ليلة الرؤيا بالاحتفالات الدينية. ثم يتحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبى تشترك فيه جميع طبقات الشعب كما كان فرعون. وكبار رجال الدولة يشاركون في هذا العيد.

من مظاهر الاحتفال به:
يخرج المحتفلون بعيد شم النسيم جماعات إلى الحدائق والحقول والمتنـزهات. ليكونوا في استقبال الشمس عند شروقها. وقد اعتادوا أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم. ويقضوا يومهم فى الاحتفال بالعيد ابتداء من شروق الشمس حتى غروبها. وكانوا يحملون معهم أدوات للاعب ومعدات للهو وآلات موسيقى فتتزين الفتيات بعقود الياسمين (زهر الربيع). ويحمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان والزهور. فتقام حفلات الرقص الزوجى والجماعى على أنغام الناى والمزمار والقيثار. ودقات الدفوف. تصاحبها الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع. كما تجرى المباريات الرياضية والحفلات التمثيلية.
كما أن الاحتفال بالعيد يمتد بعد عودتهم من المزارع والمتنـزهات والأنهار إلى المدينة ليستمر حتى شروق الشمس سواء فى المساكن حيث تقام حفلات الاستقبال. وتبادل التهنئة أو في الأحياء والميادين والأماكن العامة حيث تقام حفلات الترفيه والندوات الشعبية.

أطعمة هذا العيد:
كان لشم النسيم أطعمته التقليدية المفضلة. وما ارتبط بها من عادات وتقاليد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاحتفال بالعيد نفسه. والطابع المميز له والتى انتقلت من الفراعنة عبر العصور الطويلة إلى عصرنا الحاضر.
وتشمل قائمة الأطعمة المميزة لمائدة شم النسيم: (البيض-والفسيخ-والبصل-والخس-والملانة)
وقد أخذ كثير ممن يحتفلون بأعياد الربيع في دول الغرب والشرق كثيراً من مظاهر عيد شم النسيم ونقلوها فى أعيادهم الربيعية.

بيض شم النسيم:
يعتبر البيض الملون مظهراً من مظاهر عيد شم النسيم. ومختلف أعياد الفصح والربيع في العالم أجمع. واصطلح الغربيون على تسمية البيض (بيضة الشرق).
بدأ ظهور البيض على مائدة أعياد الربيع شم النسيم مع بداية العيد الفرعوني نفسه أو عيد الخلق حيث كان البيض يرمز إلى خلق الحياة. كما ورد فى متون كتاب الموتى وأناشيد (أخناتون الفرعوني).
وهكذا بدأ الاحتفال بأكل البيض كأحد الشعائر المقدسة التى ترمز لعيد الخلق. أو عيد شم النسيم عند الفراعنة.
أما فكرة نقش البيض وزخرفته. فقد ارتبطت بعقيدة قديمة أيضاً؛ إذ كان الفراعنة ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات ويجمعونه أو يعلقونه فى أشجار الحدائق حتى تتلقى بركات نور الإله عند شروقه حسب زعمهم واقولهم فيحقق دعواتهم ويبدأون العيد بتبادل التحية (بدقة البيض) وهى العادات التى ما زال أكثرها متوارثاً إلى الآن .نعوذ بالله من الضلال-.
أما عادة تلوين البيض بمختلف الألوان وهو التقليد المتبع في جميع أنحاء العالمى فقد بدأ فى الاراضى المقدسه فلسطين بعد زعم النصارى صلب اليهود للمسيح –عليه السلام- الذى سبق موسم الاحتفال بالعيد. فأظهر النصارى رغبتهم فى عدم الاحتفال بالعيد. حداداً على المسيح. وحتى لا يشاركون اليهود أفراحهم. ولكن أحد القديسين أمرهم بأن يحتفلوا بالعيد تخليداً لذكرى المسيح وقيامه. على أن يصبغوا البيض باللون الأحمر ليذكرهم دائماً بدمه الذي سفكه اليهود.
وهكذا ظهر بيض شم النسيم لأول مرة مصبوغاً باللون الأحمر. ثم انتقلت تلك العادة إلى مصر وحافظ عليه الأقباط بجانب ما توارثوه من الرموز والطلاسم والنقوش الفرعونية.
ومنهم انتقلت عبر البحر الأحمر إلى روما. وانتشرت فى أنحاء العالم الغربى النصرانى فى أوربا وأمريكا. وقد تطورت تلك العادة إلى صباغة البيض بمختلف الألوان التى أصبحت الطابع المميز لأعياد شم النسيم والفصح والربيع حول العالم.

الفسيخ (السمك المملح):
ظهر الفسيخ. أو السمك المملح من بين الأطعمة التقليدية فى العيد فى الأسرة الفرعونية الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل: نهر الحياة. (الإله حعبى) عند الفراعنة الذى ورد فى متونه المقدسة عندهم أن الحياة فى الأرض بدأت فى الماء ويعبر عنها بالسمك الذى تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع –حسب زعمهم-.
وقد كان للفراعنة عناية بحفظ الأسماك. وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة واستخراج البطارخ .كما ذكر هيرودوت [هو مؤرخ إغريقي اعتنى بتواريخ الفراعنة والفرس. وفاته كانت 425 قبل الميلاد كما في الموسوعة العربية الميسرة (2/1926)] فقال عنهم:”إنهم كانوا يأكلون السمك المملح فى أعيادهم. ويرون أن أكله مفيد فى وقت معين من السنة. وكانوا يفضلون نوعاً معيناً لتمليحه وحفظه للعيد. أطلقوا عليه اسم (بور) وهو الاسم الذى حور فى اللغة القبطية إلى (يور) وما زال يطلق عليه حتى الآن.

بصل شم النسيم:
ظهر البصل ضمن أطعمة عيد شم النسيم في أواسط الأسرة الفرعونية السادسة وقد ارتبط ظهوره بما ورد في إحدى أساطير منف القديمة التى تروى أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد. وكان محبوباً من الشعب. وقد أصيب الأمير الصغير بمرض غامض عجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه. وأقعد الأمير الصغير عن الحركة. ولازم الفراش عدة سنوات. امتُنِع خلالها عن إقامة الأفراح والاحتفال بالعيد مشاركة للملك في أحزانه.
وكان أطفال المدينة يقدمون القرابين للإله فى المعابد فى مختلف المناسبات ليشفى أميرهم. واستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون. فنسب مرض الأمير الطفل إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه. وتشل حركته بفعل السحر.
وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير فى فراش نومه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ. ثم شقها عند شروق الشمس فى الفجر ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها.
كما طلب منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة.
وتشرح الأسطورة كيف تمت المعجزة وغادر الطفل فراشه. وخرج ليلعب في الحديقة وقد شفى من مرضه الذي يئس الطب من علاجه. فأقام الملك الأفراح في القصر لأطفال المدينة بأكملها. وشارك الشعب فى القصر فى أفراحه. ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته، وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس في العيد. كما قام الناس إعلاناً منهم للتهنئة بشفاء الأمير. بتعليق حزم البصل على أبواب دورهم. كما احتل البصل الأخضر مكانه على مائدة شم النسيم بجانب البيض والفسيخ.
ومما هو جدير بالذكر أن تلك العادات التى ارتبطت بتلك الأسطورة القديمة سواء من عادة وضع البصل تحت وسادة الأطفال. وتنشيقهم لعصيره. أو تعليق حزم البصل على أبواب المساكن أو الغرف أو أكل البصل الأخضر نفسه مع البيض والفسيخ ما زالت من العادات والتقاليد المتبعة إلى الآن في مصر وفي بعض الدول التى تحتفل بعيد شم النسيم أو أعياد الربيع.

خس شم النسيم:
كان الخس من النباتات التى تعلن عن حلول الربيع باكتمال نموها ونضجها. وقد عرف ابتداء من الأسرة الفرعونية الرابعة حيث ظهرت صوره من سلال القرابين التى يقربونها لآلتهم من دون الله تعالى بورقه الأخضر الطويل وعلى موائد الاحتفال بالعيد. وكان يسمى بالهيروغليفية (حب) كما اعتبره الفراعنة من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود (من) إله التناسل. ويوجد رسمه منقوشاً دائماً تحت أقدام الإله في معابده ورسومه تعالى الله عن إفكهم وشركهم-.

حمص شم النسيم:
هى ثمرة الحمص الأخضر. وأطلق عليه الفراعنة اسم (حور بيك) أى رأس الصقر لشكل الثمرة التي تشبه رأس حور الصقر المقدس عندهم.
وكان للحمص كما للخس الكثير من الفوائد والمزايا التي ورد ذكرها فى بردياتهم الطبية.
وكانوا يعتبرون نضج الثمرة وامتلاءها إعلاناً عن ميلاد الربيع. وهو ما أخذ منه اسم الملانة أو الملآنة.
وكانت الفتيات يصنعن من حبات الملانة الخضراء عقوداً. وأساور يتزين بها في الاحتفالات بالعيد. كما يقمن باستعمالها فى زينة الحوائط ونوافذ المنازل فى الحفلات المنـزلية.
ومن بين تقاليد شم النسيم الفرعونية القديمة التزين بعقود زهور الياسمين وهو محرف من الاسم الفرعونى القديم (ياسمون) وكانوا يصفون الياسمين بأنه عطر الطبيعة التي تستقبل به الربيع. وكانوا يستخرجون منه فى موسم الربيع عطور الزينة وزيت البخور الذى يقدم ضمن قرابين المعابد عند الاحتفال بالعيد.

حكم الاحتفال بعيد شم النسيم:
مما سبق عرضه في قصة نشأة هذا العيد وأصله ومظاهره قديماً وحديثاً يتبين ما يلي:
أولاً: أن أصل هذا العيد فرعونى. كانت الأمة الفرعونية الوثنية تحتفل به ثم انتقل إلى بنى إسرائيل بمخالطتهم للفراعنة. فأخذوه عنهم. ومنهم انتقل إلى النصارى. وحافظ عليه الأقباط .ولا يزالون-.
فالاحتفال به فيه مشابهة للأمة الفرعونية فى شعائرها الوثنية؛ إن هذا العيد شعيرة من شعائرهم المرتبطة بدينهم الوثنى. والله تعالى حذرنا من الشرك ودواعيه وما يفضي إليه؛ كما قال سبحانه مخاطباً رسوله –صل الله عليه وسلم-:”ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين*بل الله فاعبد وكن من الشاكرين” [الزمر:65-66]. ولقد قضى الله سبحانه –وهو أحكم الحاكمين- بأن من مات على الشرك فهو مخلد في النار؛ كما قال سبحانه:”إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً” [النساء:116].

ثانياً: أن اسم هذا العيد ومظاهره وشعائره من بيض مصبوغ أو منقوش وفسيخ (سمك مملح) وبصل وخس وغيرها هى عين ما كان موجوداً عند الفراعنة الوثنين.ولها ارتباط بعقائد فاسدة كاعتقادهم في البصل إذا وضع تحت الوسادة أو علق على الباب أو ما شابه ذلك فإنه يشفي من الأمراض ويطرد الجان كما حصل في الأسطورة الفرعونية. ومن فعل ذلك فهو يقتدي بالفراعنة فى خصيصة من خصائص دينهم الوثنى. والنبي –صل الله عليه وسلم- يقول:”من تشبه بقوم فهو منهم” رواه أحمد (3/50) وأبو داود (5021).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى_:(هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم. وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما فى قوله تعالى:”ومن يتولهم منكم فإنه منهم” أ.هـ (الاقتضاء 1/314).
وقال الصنعانى –رحمه الله تعالى-:(فإذا تشبه بالكفار في زى واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر. فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث. ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب) سبل السلام (8/248).
وهذه الاعتقادات التى يعتقدونها فى طعام عيد شم النسيم وبيضه وبصله مناقضة لعقيدة المسلم. فكيف إذا انضم إلى ذلك أنها مأخوذة من عباد الأوثان الفراعنة؟ لا شك أن حرمتها أشد؛ لأنها جمعت بين الوقوع في الاعتقاد الباطل وبين التشبه المذموم.

 

اراء العلماء فى الاحتفال

المفتى: عطية صقر.

مايو 1997

المبادئ: القرآن والسنة.

السؤال:

يحتفل المصريون بيوم شم النسيم، فما هو أصل هذا الاحتفال، وما رأى الدين فيه ؟

الجواب:

النسيم هو الريح الطيبة ، وشمه يعنى استنشاقه ، وهل استنشاق الريح الطيبة له موسم معين حتى يتخذه الناس عيدا يخرجون فيه إلى الحدائق والمزارع ، ويتمتعون بالهواء الطلق والمناظر الطبيعية البديعة ، ويتناولون فيه أطايب الأطعمة أو أنواعاً خاصة منها لها صلة بتقليد قديم أو اعتقاد معين؟ ذلك ما نحاول أن نجيب عليه فيما يأتي:

 

كان للفراعنة أعياد كثيرة ، منها أعياد الزراعة التي تتصل بمواسمها ، والتي ارتبط بها تقويمهم إلى حد كبير، فإن لسنتهم الشمسية التي حددوها باثني عشر شهراً ثلاثة فصول ، كل منها أربعة أشهر، وهى فصل الفيضان ثم فصل البذر، ثم فصل الحصاد . ومن هذه الأعياد عيد النيروز الذي كان أول سنتهم الفلكية بشهورها المذكورة وأسمائها القبطية المعروفة الآن.

 

وكذلك العيد الذي سمى في العصر القبطي بشم النسيم، وكانوا يحتفلون به في الاعتدال الربيعي عقب عواصف الشتاء وقبل هبوب الخماسين، وكانوا يعتقدون أن الخليقة خلقت فيه، وبدأ احتفالهم به عام 2700 ق. م وذلك في يوم 27 برمودة، الذي مات فيه الإِله “ست” إله الشر وانتصر عليه إله الخير. وقيل منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.

 

وكان من عادتهم في شم النسيم الاستيقاظ مبكرين، والذهاب إلى النيل للشرب منه وحمل مائه لغسل أراضي بيوتهم التي يزينون جدرانها بالزهور. وكانوا يذهبون إلى الحدائق للنزهة، ويأكلون خضرًا كالملوخية والملانة والخس ، ويتناولون الأسماك المملحة التي كانت تصاد من بحر يوسف وتملح في مدينة “كانوس” وهى أبو قير الحالية كما يقول المؤرخ “سترابون” وكانوا يشمون البصل ، ويعلقونه على منازلهم وحول أعناقهم للتبرك.

 

وإذا كان لهم مبرر للتمتع بالهواء والطبيعة وتقديس النيل الذي هو عماد حضارتهم فإن تناولهم لأطعمة خاصة بالذات واهتمامهم بالبصل لا مبرر له إلا خرافة آمنوا بها وحرصوا على تخليد ذكراها .

 

لقد قال الباحثون : إن أحد أبناء الفراعنة مرض وحارت الكهنة في علاجه، وذات يوم دخل على فرعون كاهن نوبي معه بصلة أمر بوضعها قرب أنف المريض، بعد تقديم القرابين لإِله الموت “سكر” فشفى. وكان ذلك في بداية الربيع ، ففرح الأهالي بذلك وطافوا بالبلد والبصل حول أعناقهم كالعقود حول معابد الإله “سكر” وبمرور الزمن جدت أسطورة أخرى تقول : إن امرأة تخرج من النيل في ليلة شم النسيم يدعونها “ندَّاهة” تأخذ الأطفال من البيوت وتغرقهم ، وقالوا : إنها لا تستطيع أن تدخل بيتا يعلق عليه البصل “محمد صالح -الأهرام: 30/ 4/1962م .

 

ثم حدث في التاريخ المصري حادثان ، أولهما يتصل باليهود والثاني بالأقباط ، أما اليهود فكانوا قبل خروجهم من مصر يحتفلون بعيد الربيع كالمصريين ، فلما خرجوا منها أهملوا الاحتفال به ، كما أهملوا كثيرا من عادات المصريين ، شأن الكاره الذي يريد أن يتملص من الماضي البغيض وآثاره. لكن العادات القديمة لا يمكن التخلص منها نهائياً وبسهولة، فأحب اليهود أن يحتفلوا بالربيع لكن بعيداً عن مصر وتقويمها، فاحتفلوا به كما يحتفل البابليون، واتبعوا في ذلك تقويمهم وشهورهم.

 

فالاحتفال بالربيع كان معروفاً عند الأمم القديمة من الفراعنة والبابليين والأشوريين، وكذلك عرفه الرومان والجرمان، وإن كانت له أسماء مختلفة، فهو عند الفراعنة عيد شم النسيم، وعند البابليين والأشوريين عيد ذبح الخروف، وعند اليهود عيد الفصح، وعند الرومان عيد القمر، وعند الجرمان عيد “إستر” إلهة الربيع .

 

وأخذ احتفال اليهود به معنى دينياً هو شكر الله على نجاتهم من فرعون وقومه.

 

وأطلقوا عليه اسم “عيد بساح” الذي نقل إلى العربية باسم “عيد الفصح” وهو الخروج ، ولعل مما يشير إلى هذا حديث رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : “قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى أن اليهود تصوم عاشوراء ، فقال لهم “ما هذا اليوم الذي تصومونه”؟ قالوا: هذا يوم عظيم، نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم) فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه”. وفى رواية (فنحن نصومه تعظيماً له).

 

غير أن اليهود جعلوا موعدا غير الذي كان عند الفراعنة، فحددوا له يوم البدر الذي يحل في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة.

 

ولما ظهرت المسيحية في الشام احتفل المسيح وقومه بعيد الفصح كما كان يحتفل اليهود. ثم تآمر اليهود على صلب المسيح وكان ذلك يوم الجمعة 7 من أبريل سنة 30 ميلادية، الذي يعقب عيد الفصح مباشرة، فاعتقد المسيحيون أنه صلب في هذا اليوم، وأنه قام من بين الأموات بعد الصلب في يوم الأحد التالي، فرأى بعض طوائفها أن يحتفلوا بذكرى الصلب في يوم الفصح ، ورأت طوائف أخرى أن يحتفلوا باليوم الذي قام فيه المسيح من بين الأموات، وهو عيد القيامة يوم الأحد الذي يعقب عيد الفصح مباشرة ، وسارت كل طائفة على رأيها ، وظل الحال على ذلك حتى رأى قسطنطين الأكبر إنهاء الخلاف في “نيقية” سنة 325 ميلادية وقرر توحيد العيد، على أن يكون في أول أحد بعد أول بدر يقع في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة ، وحسب الاعتدال الربيعي وقتذاك فكان بناء على حسابهم في يوم 21 من مارس “25 من برمهات” فأصبح عيد القيامة في أول أحد بعد أول بدر وبعد هذا التاريخ أطلق عليه اسم عيد الفصح المسيحي تمييزا له عن عيد الفصح اليهودي.

 

هذا ما كان عند اليهود وتأثر المسيحيين به في عيد الفصح. أما الأقباط وهم المصريون الذين اعتنقوا المسيحية فكانوا قبل مسيحيتهم يحتفلون بعيد شم النسيم كالعادة القديمة ، أما بعد اعتناقهم للدين الجديد فقد وجدوا أن للاحتفال بعيد شم النسيم مظاهر وثنية لا يقرها الدين ، وهم لا يستطيعون التخلص من التقاليد القديمة ، فحاولوا تعديلها أو صبغها بصبغة تتفق مع الدين الجديد، فاعتبروا هذا اليوم يوما مباركا بدأت فيه الخليقة، وبشَّر فيه جبريل مريم العذراء بحملها للمسيح ، وهو اليوم الذي تقوم فيه القيامة ويحشر الخلق ، ويذكرنا هذا بحديث رواه مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم ، وفيه دخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) صحيح مسلم بشرح النووي” ج 6 ص 142″ .

 

فاحتفل أقباط مصر بشم النسيم قوميا باعتباره عيد الربيع، ودينيا باعتباره عيد البشارة، ومزجوا فيه بين التقاليد الفرعونية والتقاليد الدينية. وكان الأقباط يصومون أربعين يوما لذكرى الأربعين التي صامها المسيح عليه السلام، وكان هذا الصوم يبدأ عقب عيد الغطاس مباشرة، فنقله البطريرك الإِسكندري ديمتريوس الكرام ، وهو البطريرك الثامن عشر ” 188 – 234م ” إلى ما قبل عيد القيامة مباشرة ، وأدمج في هذا الصوم صوم أسبوع الآلام ، فبلغت عدته خمسة وخمسين يوما ، وهو الصوم الكبير، وعمَّ ذلك في أيام مجمع نيقية ” 325 م ” وبهذا أصبح عيد الربيع يقع في أيام الصوم إن لم يكن في أسبوع الآلام ، فحرم على المسيحيين أن يحتفلوا بهذا العيد كعادتهم القديمة في تناول ما لذ وطاب من الطعام والشراب ، ولما عز عليهم ترك ما درجوا عليه زمناً طويلاً تخلصوا من هذا المأزق فجعلوا هذا العيد عيدين ، أحدهما عيد البشارة يحتفل به دينياً في موضعه ، والثاني عيد الربيع ونقلوه إلى ما بعد عيد القيامة، لتكون لهم الحرية في تناول ما يشاءون ، فجعلوه يوم الاثنين التالي لعيد القيامة مباشرة ، ويسمى كنسيًّا “اثنين الفصح” كما نقل الجرمانيون عيد الربيع ليحل في أول شهر مايو.

 

من هذا نرى أن شم النسيم بعد أن كان عيدا فرعونيا قوميا يتصل بالزراعة جاءته مسحة دينية، وصار مرتبطا بالصوم الكبير وبعيد الفصح أو القيامة ، حيث حدد له وقت معين قائم على اعتبار التقويم الشمسي والتقويم القمري معا ، ذلك أن الاعتدال الربيعي مرتبط بالتقويم الشمسي ، والبدر مرتبط بالتقويم القمري ، وبينهما اختلاف كما هو معروف ، وكان هذا سببا في اختلاف موعده من عام لآخر، وفى زيادة الاختلاف حين تغير حساب السنة الشمسية من التقويم اليولياني إلى التقويم الجريجوري. وبيان ذلك : أن التقويم القمري كان شائعا في الدولة الرومانية ، فأبطله يوليوس قيصر، وأنشأ تقويماً شمسيا ، قدر فيه السنة ب 25، 365 يوما ، واستخدم طريقة السنة الكبيسة مرة كل أربع سنوات ، وأمر يوليوس قيصر باستخدام هذا التقويم رسميا في عام 708 من تأسيس روما ، وكان سنة 46 قبل الميلاد، وسمى بالتقويم اليولياني، واستمر العمل به حتى سنة 1582 م حيث لاحظ الفلكيون في عهد بابا روما جريجوريوس الثالث عشر خطأ في الحساب الشمسي ، وأن الفرق بين السنة المعمول بها والحساب الحقيقي هو 11 دقيقة ، 14 ثانية ، وهو يعادل يوما في كل 128 عاما ، وصحح البابا الخطأ المتراكم فأصبح يوم 5 من أكتوبر سنة 1582 هو يوم 15 أكتوبر سنة 1582م وهو التقويم المعروف بالجريجوري السائد الآن . وعندما وضع الأقباط تاريخهم وضعوه من يوم 29 من أغسطس سنة 284م الذي استشهد فيه كثيرون أيام ” دقلديانوس” جعلوه قائماً على الحساب اليولياني الشمسي ، لكن ربطوه دينيا بالتقويم القمري ، وقد بنى على قاعدة وضعها الفلكي “متيون” في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو أن كل 19 سنة شمسية تعادل 235 شهرا قمريا ، واستخدم الأقباط هذه القاعدة منذ القرن الثالث الميلادي . وقد وضع قواعد تقويمهم المعمول به إلى الآن البطريرك ديمتريوس الكرام ، وساعده في ذلك الفلكي المصري بطليموس .

 

وبهذا يحدد عيد القيامة “الذي يعقبه شم النسيم” بأنه الأحد التالي للقمر الكامل “البدر” الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة. وقد أخذ الغربيون الحساب القائم على استخدام متوسط الشهر القمري لحساب ظهور القمر الجديد وأوجهه لمئات السنين “وهو المسمى بحساب الألقطي” وطبقوه على التقويم الرومانى اليولياني ، فاتفقت الأعياد المسيحية عند جميع المسيحيين كما كان يحددها التقويم القبطي، واستمر ذلك حتى سنة 1582م حين ضبط الغربيون تقويمهم بالتعديل الجريجوري . ومن هنا اختلف موعد الاحتفال بعيد القيامة وشم النسيم.

 

أستمحيك عفواً أيها القارئ الكريم إذْ أتعبتك بذكر تطورات التقويم وتغير مواعيد الأعياد، إذ قد لخصتها من عدة مواضع من كتاب “تاريخ الحضارة المصرية ، ومن بحث للدكتور عبد الحميد لطفي في مجلة الثقافة “عدد 121” لسنتها الثالثة في 22 / 4 / 1941م ومن منشورات بالصحف: الجمهورية 15/4/1985، الأهرام 20/4/1987، 11/4 /1988 فإني قصدت بذلك أن تعرف أن عيد الربيع الحقيقي ثابت في موعده كل عام، لارتباطه بالتقويم الشمسي . أما عيد شم النسيم فإنه موعد يتغير كل عام لاعتماده مع التقويم الشمسي على الدورة القمرية ، وهو مرتبط بالأعياد الدينية غير الإسلامية ، ولهذه الصفة الدينية زادت فيه طقوس ومظاهر على ما كان معهوداً أيام الفراعنة وغيرهم، فحرص الناس فيه على أكل البيض والأسماك المملحة، وذلك ناشئ من تحريمها عليهم في الصوم الذي يمسكون فيه عن كل ما فيه روح أو ناشئ منه، وحرصوا على تلوين البيض بالأحمر، ولعل ذلك لأنه رمز إلى دم المسيح على ما يعتقدون وقد تفنن الناس في البيض وتلوينه حتى كان لبعضه شهرة في التاريخ.

 

فقد قالوا : إن أشهر أنواع البيض بيضة هنري الثاني التي بعث بها إلى “ديانادى بواتييه” فكانت علبة صدف على شكل بيضة بها عقد من اللؤلؤ الثمين ، كما بعث لويس الرابع عشر للآنسة “دى لا فاليير” علبة بشكل بيضة ضمنها قطعة خشب من الصليب الذي صلب عليه المسيح ، ولويس الخامس عشر أهدى خطيبته “مدام دى بارى” بيضة حقيقية من بيض الدجاج مكسوة بطبقة رقيقة من الذهب ، وهى التي قال فيها الماركيز “بوفلر” لو أنها أكلت لوجب حفظ قشرتها “مهندس/ محمد حسن سعد – الأهرام 25 من أبريل 1938.

 

وقيصر روسيا “الإِسكندر الثالث” كلف الصائغ “كارل فابرج” بصناعة بيضة لزوجته 1884م ، استمر في صنعها ستة أشهر كانت محلاة بالعقيق والياقوت ، وبياضها من الفضة وصفارها من الذهب ، وفى كل عام يهديها مثلها حتى أبطلتها الثورة الشيوعية 1917م.

 

وبعد، فهذا هو عيد شم النسيم، الذي كان قومياً ثم صار دينياً، فما حكم احتفال المسلمين به؟ لا شك أن التمتع بمباهج الحياة من أكل وشرب وتنزه أمر مباح ما دام غيره،ِطار المشروع، الذي لا ترتكب فيه معصية ولا تنتهك حرمة ولا ينبعث من عقيدة فاسدة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة:87)، وقال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (لأعراف: من الآية32). لكن هل للتزين والتمتع بالطيبات يوم معين أو موسم خاص لا يجوز في غيره ، وهل لا يتحقق ذلك إلا بنوع معين من المأكولات والمشروبات ، أو بظواهر خاصة؟ هذا ما نحب أن نلفت الأنظار إليه. إن الإِسلام يريد من المسلم أن يكون في تصرفه على وعي صحيح وبُعد نظر، لا يندفع مع التيار فيسير حيث يسير، ويميل حيث يميل، بل لا بد أن تكون له شخصية مستقلة فاهمة، حريصة على الخير بعيدة عن الشر والانزلاق إليه، وعن التقليد الأعمى، لا ينبغي أن يكون كما قال الحديث ” إمَّعة ” يقول : إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساءوا أسأت ، ولكن يجب أن يوطِّن نفسه على أن يحسن إن أحسنوا، وألا يسيء إن أساءوا ، وذلك حفاظًاً على كرامته واستقلال شخصيته ، غير مبال بما يوجه إليه من نقد أو استهزاء ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن التقليد الذي من هذا النوع فقال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) رواه البخاري ومسلم .

 

فلماذا نحرص على شم النسيم في هذا اليوم بعينه والنسيم موجود في كل يوم ؟ إنه لا يعدو أن يكون يوما عاديًّا من أيام الله حكمه كحكم سائرها ، بل إن فيه شائبة تحمل على اليقظة والتبصر والحذر، وهى ارتباطه بعقائد لا يقرها الدين ، حيث كان الزعم أن المسيح قام من قبره وشم نسيم الحياة بعد الموت .

 

ولماذا نحرص على طعام بعينه في هذا اليوم، وقد رأينا ارتباطه بخرافات أو عقائد غير صحيحة، مع أن الحلال كثير وهو موجود في كل وقت، وقد يكون في هذا اليوم أردأ منه في غيره أو أغلى ثمنا.

إن هذا الحرص يبرر لنا أن ننصح بعدم المشاركة في الاحتفال به مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين والخلق والكرامة ممنوعة لا يقرها دين ولا عقل سليم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه اللّه مؤونة الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّله اللّه إلى الناس) رواه الترمذي ورواه بمعناه ابن حبان في صحيحه.

الإنكار على من يحتفل به من المسلمين. ومقاطعته فى الله تعالى إذا صنع دعوة لأجل هذا العيد. وهجره إذا اقتضت المصلحة ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (وكما لا نتشبه بهم فى الأعياد فلا يعان المسلم فى ذلك؛ بل ينهى عن ذلك. فمن صنع دعوة مخالفة للعادة فى أعيادهم لم تُجب دعوته. ومن أهدى من المسلمين هدية فى هذه الأعياد مخالفة للعادة فى سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر) (الاقتضاء 2/519-520).
وبناء على ما قرره شيخ الإسلام فإنه لا يجوز للتجار المصريين من المسلمين أو فى أي بلاد يحتفل فيها بشم النسيم أن يتاجروا بالهدايا الخاصة بهذا العيد من بيض منقوش، أو مصبوغ مخصص لهذا العيد، أو سمك مملح لأجله، أو بطاقات تهنئة به، أو غير ذلك مما هو مختص به؛ لأن المتاجرة بذلك فيها إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم-. كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها؛ لأن في قبولها إقراراً لهذا العيد، ورضاً به.
ولا يعني ذلك الحكم بحرمة بيع البيض أو السمك أو البصل أو غيره مما أحله الله تعالى، وإنما الممنوع بيع ما خصص لهذا العيد بصبغ أو نقش أو تمليح أو ما شابه ذلك. ولكن لو كان المسلم يتاجر ببعض هذه الأطعمة. ولم يخصصها لهذا العيد لا بالدعاية. ولا بوضع ما يرغب زبائن هذا العيد فيها فلا يظهر حرج في بيعها ولو كان المشترون منه يضعونها لهذا العيد

عدم تبادل التهانى بعيد شم النسيم؛ لأنه عيد للفراعنة ولمن تبعهم من اليهود والنصارى. وليس عيداً للمسلمين. وإذا هنئ المسلم به فلا يرد التهنئة. قال ابن القيم –رحمه الله-:(وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل: أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه. فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب. بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر. وقتل النفس. وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل. فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه) أ.هـ (أحكام أهل الذمة 1/441-442).

 توضيح حقيقة عيد شم النسيم وأمثاله من الأعياد التى عمت وطمت فى هذا الزمن. وبيان حكم الاحتفال بها لمن اغتر بذلك من المسلمين. والتأكيد على ضرورة تميز المسلم بدينه. ومحافظته على عقيدته. وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار فى شعائرهم الدينية كالأعياد. أو بما يختصون به من سلوكياتهم وعاداتهم؛ نصحاً للأمة. وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذي بإقامته صلاح البلاد والعباد.
والواجب على علماء مصر أن يحذروا المسلمين من مغبة الاحتفال بعيد شم النسيم. أو مشاركة المحتفلين به. أو إعانتهم بأى نوع من أنواع الإعانة على إقامته. وحث الناس على إنكاره ورفضه؛ لئلا يكون الدين غريباً بين المسلمين.
وقد لاحظت أن كثيراً من إخواننا المسلمين في مصر يحتفلون بهذا العيد ولا يعرفون حقيقته وأصله. وحكم الاحتفال به. وبعضهم يعرف حقيقته. ولكنهم يقللون من خطورة الاحتفال به ظناً منهم أنه أصبح عادة وليس عبادة. وحجتهم أنهم لا يعتقدون فيه ما يعتقده الفراعنة أو اليهود والنصارى. وهذا فهم خاطئ فإن التشبه فى شعائر الدين يؤدى إلى الكفر سواء اعتقد المتشبه بالكفار فى هذه الشعيرة ما يعتقدون فيها أم لم يعتقد؟
بخلاف التشبه فيما يختصون به من السلوكيات والعادات فهو أخف بكثير. ولا سيما إذا انتشرت بين الناس ولم تعد خاصة بهم. وكثير من الناس لا يفرق بين الأمرين.
ولذا فإننا نرى المسلم يأنف من لبس الصليب؛ لأنه شعار النصارى الديني بينما نراه يحتفل بأعيادهم أو يشارك المحتفلين بها. وهذا مثل هذا إن لم يكن أعظم. لأن الأعياد من أعظم الشعائر التي تختص بها الأمم.
وكون عيد شم النسيم تحول إلى عادة كما يقوله كثير من المحتفلين به وهم لا يعتقدون فيه ما يعتقده أهل الديانات الأخرى لا يبيح الاحتفال به؛ ودليل ذلك ما رواه ثابت بن الضحاك –رضى الله عنه- قال:”نذر رجل على عهد رسول الله –صل الله عليه وسلم- أن ينحر إبلاً ببوانه، فأتى النبى –صل الله عليه وسلم- فقال: إنى نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبى صل الله عليه وسلم-:”هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا:لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. قال رسول الله –صل الله عليه وسلم-:”أوف بنذرك. فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله. ولا فيما لا يملك ابن آدم” رواه أبو داود (3313) وصححه شيخ الإسلام في الاقتضاء (1/436) والحافظ في البلوغ (1405).
فيلاحظ فى الحديث أن النبى صل الله عليه وسلم- اعتبر أصل البقعة. ولم يلتفت إلى نية هذا الرجل فى اختيار هذه البقعة بعينها، ولا سأله عن ذبحه لمن يكون: أهو لله تعالى أم للبقعة. لأن ذلك ظاهر واضح. وإنما سأله النبى صل الله عليه وسلم عن تاريخ هذه البقعة: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ وهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ فلما أجيب بالنفى أجاز الذبح فيها لله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”وهذا يقتضي أن كون البقعة مكاناً لعيدهم مانع من الذبح بها وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك. وإلا لما انتظم الكلام ولا حسن الاستفصال. ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التى يعظمونها بالتعييد فيها أو لمشاركتهم في التعييد فيها. أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك؛ إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه،.. وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذوراً فكيف نفس عيدهم؟”أ.هـ (الاقتضاء 1/443).

قلت: وعيد شم النسيم ليس فى زمان العيد ومكانه فحسب. بل هو العيد الوثنى الفرعونى عينه في زمانه وشعائره ومظاهر الاحتفال به. فحرم الاحتفال به دون النظر إلى نية المحتفل به وقصده. كما يدل عليه هذا الحديث العظيم.
فالواجب على المسلم الحذر مما يخدش إيمانه. أو يخل بتوحيده. وتحذير الناس من ذلك.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *