الرئيسية ثقافة من أدب الطفل

من أدب الطفل

moda 1144
من أدب الطفل
واتساب ماسنجر تلجرام
كتبت / د. حاتم العنانى
“رصــــــد الـــوطــن”

قصة ” الفيلُ القزم ” للكاتبة الصغيرة / سدينا الشيشانى (الأردن)

أَطْرَقَ الفيل “فلفل” رأسه باكياً بعد أن هاجمتْهُ الفأرةُ الرَّماديَّةُ مرَّةً أُخرى، ياااه لو أنَّهُ بِحجْمِها! لكان قد جعلها ترى ” العين الحمراء” ، لكان قد قاتلها.. فحجمُها الصَّغير يُمكِّنُها من دخول خُرطومه، وهذا ما يُرعِبُه ويجعلهُ يَفِرُّ عند رُؤيتِها.

التحفَ بِبطَّانيَّتِه الحمراء، على سريره الدَّافئ.. وقبل أنْ يختطِفَه سلطانُ النّوم، تَمنَّى أن يكون بِحَجْمِها كي يَصرَعَها، كي لا يخافَ مِنْها! ثمَّ غطَّ في نومٍ عميــــق.

استيقظَ فلفل عند الشُّروق، ولكنّه لمَّا نفَضَ عن عينيْه غُبار النّوم.. شَهَق! قَلَّبَ عَينيْه يَمْنَةً ويَسْرة، ثمَّ فركَهُما بِشِدَّة.. فقد تَعمْلَقَتْ بَطَّانيته الحمراء، ووِسادتُه كذلك وكادَ يَغْرقُ فيهِما، أمَّا سريرُه فأصبح شاهقاً كَجَبلٍ ضخم، ولمّا نَظرَ حولَهُ تراءتْ له غُرفَتُه وكأنَّها لِعملاقٍ ضخم، ياااه كلُّ شيءٍ تَعمْلَق!
مَهْلاً مَهْلاً.. بلْ هو الذي تَقَزَّم!

طغَتْ على دهشتِهِ فرحةٌ ما بعدها فرحة.. نظرَ إلى عضلاتِ يدِهِ وخُرطومه، وتَنبَّأَ بنتائجِ المعركةِ الّتي ستنْشَبُ بينه وبين فَأرتِه. أسرعَ وأمسكَ بِطَرَفِ بَطَّانيّتِه وتزحلقَ حتّى وصلَ أرضَ الغُرفَة، تَسلَّقَ السَّلة الورديِّة التي تضعُها أُمُّه بِجانبِ خِزانَتِه وفَتَحها.. نظرَ إلى جميعِ ملابِسِه، كيف يُمكِنُه وهي “مُتناهيةٌ في الكِبَر” أنْ يَرتَديها؟!

قَبْلَ أن يُعْمِلَ عَقلَهُ في التَّفكير دخَلتْ أُمَّه الغرفة، ناداها، وحالما نَظَرتْ إليه صَرختْ بشدّة، خافتْ منه، فقد ظنَّتْ أنَّه تِلكَ الفأرة، هربَ من بيْنِ قَدميْها الضّخمتيْن الَّلتيْن كانتا تَركُضان في الغرفةِ موقِعَةً كلَّ شيءٍ في طريقها، هربَ إلى خارجِ منزِله، ثمّ خارجِ حَيِّهِ _حيِّ الفِيَلة_ الّتي أثار فيها بحجمِه كُلَّ قاطنيها!

توقَّفَ على جانبِ الطَّريق تحتَ شجرةٍ كبيـــــــــــــرة، فجأة تَحوّل النّهار إلى ليل، خافَ، تحرّكَ بفزعٍ فسقطتْ عنه ورقةُ شجرٍ كانت قد غَطَّتهُ لمّا هبّتْ نسمةُ ريح، فعاد النَّهار! أخذَ الورقةَ ولَفَّها على جَسَدِه، كان شكلُه مُثيرًا للضّحك، فقد تعثّر بالورقة الطَّويلة عِدَّة مرَّات، ثمّ وَقَعَ في النّهر، ولِحُسْنِ حظِّه استطاع أنْ يَتَعلَّقَ بِغُصنٍ صغير، وما يلبثْ طويلاً حتّى قذَفَه التَّيارُ إلى الضِّفة.

مشى في الغابةِ الكبيرةِ بل العملاااااقة، تَصبَّبَ عَرَقُه من جبينِهِ كالسَّيل، نظرَ إلى الأعلى، فَهالَتْهُ رُؤيةُ أصدقائه الضِّخام يَمرُّونَ من فوقِه، وأخذَ يَرتعِدُ خوفًا، وبينما هو ينظرُ للأعلى بِذُعر، تعثَّرَ بِقَدَمِ نملةٍ كانتْ تمُرُّ بالجِوار، فتدحرجَ حتى انقلبَ على ظهرِه، حاولَ أن يرجِعَ إلى وقفته الشَّامخة، ولكنَّه لمْ يقدر.

أخذَ يرتجِفُ خوفًا.. فقد هالَهُ منظرُ الأشجارِ الهائلة، والأعشابِ الضَّخمة، وأقدامِ الحيواناتِ العملاقة، امتلأتْ عيناهُ بالدُّموع.. ولكنّ يدًا ما أعانتْهُ وجَعَلتْهُ يقف على قدميْه مِن جَديد، نظرَ إلى مُنقِذِه فَذُعِرَ لِرُؤيتِه لِلفَأْرة الرَّماديّة التي ابتسمتْ في وجهِهِ بِعَينيْن بَريئَتيْن.

صرَخَ خَوفًا! “الفأرة! الفأرة! مامااااااا” ورَكضَ باتِّجاه قريتِه، وكادَ يتعرَّضُ لِلدَّهس مرَّةً أُخرى ناسياً حجمهُ الصَّغير، ثمَّ هربَ مِنَ الأقدامِ الضّخمةِ وعاد باتِّجاه الغابة فوجدَ الفأرة أمامهُ، فنَسِيَ مَرَّةً أُخرى أنَّها بِحجمهِ، وأنَّها لن تستطيعَ دخولَ خُرطومه، فهلعَ وعادَ إلى قريتِه.. وراح يتحرَّك كالبَنْدُول مرَّةً يتَّجهُ نحوَ القرية، ومرّةً يتَّجهُ نحوَ الغابة، واستمرّ على هذا المنوال طوال ساعاتٍ بِلا توقُّف.

تعجّبتْ الفأرة من هذا الفيل القزم وراحتْ تضحكُ مِنهُ بِشِدَّة، ثمّ قرّرتْ أنْ تُمازِحَهُ حالما يَصِلُ قُربَها، ولمّا وصلَ فلفل إليها وهو يلهثُ من التَّعب والفزع كَشَفَتْ عن أسنانِها، ورَفعتْ يديْها كمنْ يُريدُ العِراك، فأخذتْ الفيلُ الصَّغيرُ الرَّعْبَة، أغمضَ عَينيْه وهو يَركضُ فَتَعثَّرَ بحجرٍ صغيرٍ وَوقَعَ أرضاً.

سمِعَ صوتَ أُمّه تُناديه: ” فلفل هل أنتَ بخير؟ لقد سَقطْتَ مَرّةً أُخرى عن سريرك، أنتَ تتحرَّكُ كثيراً أثناءَ نومِك.” فتح عَينيْه ويدُهُ على رأسِه المُتألِّم، ويالَفرْحَتِه! لأنَّ فلفل القزم كان حُلُماً ورُبَّما كابوساً، وحَمِد الله لأنَّ أُمنيتُه تلك لَمْ تتحقَّق.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *