الرئيسية مقالات الكتاب آليات البحث العلمى الأكاديمى

آليات البحث العلمى الأكاديمى

moda 2449
آليات البحث العلمى الأكاديمى
واتساب ماسنجر تلجرام

بقلم / الباحثة ميادة عبدالعال

"رصـــد الــــــــــوطــن"

جودة البحث العلمي تُعدُّ التحدي الأكبر الذي يواجه الأكاديميات العربية في الوقت الراهن. وقد استجابت كثير من المؤسسات لهذا التحدي بواسطة التشجيع على النشر الأكاديمي في الدوريات ودور النشر الأكثر تأثيرًا وانتشارًا، والتي تحتكم غالبًا إلى آليات تحكيم جيدة. غير أن البحوث العربية في العلوم الإنسانية، تُكتَب غالبًا بالعربية، وتُنشر محليًّا أو إقليميًّا، وهي من ثمّ لا تُفيد من التنافسية التي يتطلبها النشر الدولي. كما أن آليات تحكيم البحوث والرسائل الجامعية، قد تتأثر في بعض الأحيان بالأمور الشخصية، والمصالح، وغياب الشفافية، وعدم الالتزام بالمعايير.لقد نظر مفكرو عصر النهضة العربية إلى البعثات والترجمة على أنهما رافعة التقدم المعرفي والمجتمعي في العالم العربي الحديث، منذ ما يقرب من قرنين من الزمان.

وسوف نلقي فيما يأتي الضوء على واقع هذين المجالين، لدورهما الحاسم في تحسين جودة البحث العلمي في العلوم الإنسانية.يُعد إرسال البعثات إلى الدول المتقدمة سبيلاً مهمًا من سُبل تحسين مستقبل البحث في الجامعات العربية عمومًا، ومستقبل البحث في العلوم الإنسانية خصوصًا. فقد لعبت البعثات دورًا مهمًا في مد الأكاديميات العربية بخبرات أكاديمية ذات مستوى تأهيلي متميز. للأسف الشديد، يبدو أن السنوات المقبلة قد تشهد تراجعًا في الازدهار المبشر الذي شهدته حركة االبعثات للخارج؛ فقد أدت الاضطرابات الواسعة التي شهدتها دول الربيع العربي إلى تقليص المخصصات المتاحة للبعثات، وعانى بعض الطلاب المبعوثين بالفعل من صعوبات في الحصول على بدلات المعيشة المقررة لهم؛ فإن التراجع الكبير في حركة الابتعاث في سنوات ما بعد الربيع العربي يقود إلى ترشيد التفاؤل بشأن دور البعثات في تطوير البحث العلمي. ولحسن الحظ توجد نظرة أكثر تفاؤلاً بشأن نشاط أكاديمي وثيق الصلة بدعم البحوث العربية في العلوم الإنسانية؛ أعني الترجمة الأكاديمية إلى اللغة العربية،وبالرغم من غياب إحصاءات دقيقة بالكتب المترجمة المنشورة في العالم العربي، فإنه توجد مؤشرات دالة تدعم القول بأن السنوات العشر الأخيرة شهدت ازدهارًا نسبيًا في حركة الترجمة إلى اللغة العربية، وتأسست عدة مراكز إقليمية للترجمة، مثل المركز القومي للترجمة بمصر،تقوم الترجمة بدور شديد الأهمية في تطوير العلوم الإنسانية في العالم العربي؛ لأن كثيرًا من دارسي العلوم الإنسانية في العالم العربي لا يستطيعون، للأسف، التواصل مع كتابات أجنبية بلغات أصلية. وبعضهم يتقن لغة واحدة أخرى غير العربية، ولا يستطيع القراءة بلغة ثالثة، قد تكون الكتابات فيها أساسية لموضوع بحثه.على الرغم من ذلك، فإن هناك مشكلات تعوق الوصول إلى الإفادة القصوى من الازدهار النسبي الراهن، لعل أهمها غياب التخطيط الشامل لحركة الترجمة في العالم العربي. وتنتج عن هذا الغياب مشكلات حقيقية مثل؛ ظهور ترجمات متعددة لكتاب واحد، وترجمة كتب عديدة متشابهة المحتوى، والتركيز على الترجمة من لغتين فقط هما؛ الإنجليزية والفرنسية. لكن المشكلة الرئيسة التي تنتج عن غياب التخطيط والتنسيق الشامل لحركة الترجمة في العالم العربي، هي عشوائية اختيار المترجمات، واعتمادها على المبادرات الفردية ,فثمة علاقة طردية متأصلة بين حرية الباحثين في اختيار موضوعات البحث ومناهجه وأسسه النظرية من ناحية، وقدرتهم على تقديم معارف أصيلة مبدعة من ناحية أخرى، سواء أكانوا متخصصين في العلوم الاجتماعية أم التطبيقية أم البحتة. وقد حرصت المجتمعات المعاصرة على ضمان الحريات الأكاديمية للباحثين على النطاق العالمي , تتعدد مستويات انتهاك الحريات الأكاديمية؛ إذ تبدأ من الضبط الداخلي، الذي يدفع الباحثين بعيدًا عن اختيار موضوعات بحثية ما أو التعاون مع باحثين معينين أو استخدام مناهج ما، يَتوقع أن يُثير اختيارها مشكلات أو معوقات أو حساسيات.

أما المستوى الثاني، فهو التدخل المباشر في عمليات إنتاج المعرفة، بواسطة التدخل في معطيات البحوث، أو تغيير مدونتها، أو نتائجها. ويتضمن المستوى الثالث وضع قيود على النشر الأكاديمي، تُحجَب فيه قدرة بعض الدراسات على النفاذ إلى الفضاء العام، إما برفض نشرها,تعاني البحوث العربية في العلوم الإنسانية من اتهامات بضعف الدور الذي تقوم به في التصدي لمشكلات المجتمع وفي تلبية احتياجاته. ويبدو هذا الاتهام مستندًا إلى أكثر من بيّنة، بسبب الانفصال الجلي بين المؤسسات البحثية والمؤسسات التنفيذية في معظم المجتمعات العربية.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *