الرئيسية أخبار البُعد الرابع.. وحلاوة الروح

البُعد الرابع.. وحلاوة الروح

moda 1738
البُعد الرابع.. وحلاوة الروح
واتساب ماسنجر تلجرام

كتب / أحمد القاضي

“جمال الروح هو الشئ الوحيد الذي بإمكان الأعمى أن يراه!!” جُبران خليل جُبران
إن جمال الروح يكمُن في أُناس لم نراهم بأعيننا بقدر ما شعُرنا بهم بقلُوبنا، شَعُرنا برُقي أخلاقهم وجمال أُسلوبهم، فواقع الجمال الحقيقى ليس في جمال الشكل، ولكن جمال الطبع والأخلاق “الحلاوة الحقيقية هي حلاوة الروح”
كثيراً ما نقابل في حياتنا شخصيات تُبهرنا للوهلة الأولى، تستحوذ على تفكيرنا وتخترق كل جوارحنا، بل وتجذب أرواحنا لعالم من الخيال، أنه لإحساس ممتعٌ حقاً أن تُهِيم بنفسك في بساتين الوهم لبعض الوقت فقد تكون في حاجة لذلك ولكن عليك أن تحذر عزيزي الهائم فقد يكون فخاً لا يُؤمن عواقبه “فليس كل ما يلمع ذهباً”.
بعضهم قد يُسحرك بجماله بإبتسامته ولكنك من الممكن أن تكتشف خلف هذا الجمال وشوشا بلاستيكية فقط، فهي شخصيات كرتونية لا تشعر ولا تحس وجوه خشبية ليست كما تصورنا تفتقر للراحة ولا تشعر معهم بثمة قرب ولا أي إرتياح.
على العكس تماماً قد تقابل أُناس يبدون عاديين بل أبسط من العادي، ليس لديهم من مقومات الجمال سوى القليل ولكنك لا تستطيع أبداً أن ترفع أعينك من عليهم، ليس فقط شخصيتهم هي ما تجذبك لهم ولكنه إنبعاث نوراً من ثنايا وجوههِم المشرقة.

لقد تعلمنا من علوم الهندسة بأن البُعد الأول هو أقصر مسافة مرسومة بين نقطتين أي الخط المستقيم.
أما البُعد الثاني فيتكون من إضافة عشرات أو مئات من الخُطوط المرسومة في كل الإتجاهات إلى جانب الخط الأول لكي يُشكلوا لنا شَكلاً آخر وهو المستوي. أذن البُعد الأول يتشابك مع البُعد الثاني فيصير جُزءاً منه وينتمي إليه فيخضع إلى قوانينه وسيطرته.
وهكذا لو وضعنا عشرات أو مئات أو الوفاً من المسطحات على بعضها البعض فسيكون لنا جسماً له حجم وهذا الشكل يُسمى بالبُعد الثالث الذي دخل فيه البُعد الثاني فيخضع له ويتحكم به البُعد الثالث لأنه صار جزءاً منه.
تماما هي الفكرة ذاتها فقد تستسلم للبُعد الثالث دون إدراك فقد أعجبك البُعد الأول، ومن ثم جذبك البُعد الثاني، حتى سقطت طواعياً في ما يسمى بالبُعد الثالث. حتى هذه اللحظة ما زال الأمر في وضع السيطرة ولديك مُتسعٌ من الوقت للتراجع.
ولكن ما أن تخضع للبُعد الرابع فسيكون الأمر أكثر تعقيداً حيث ان البُعد الرابع هنا يمثل العُمق، وما أدراك ما العُمق، فليس كل ما يظهر أمامنا من السمات الشخصية يُمثل الواقع الحقيقي لأي شخصية، فهناك بشرٌ ماهرون في تفصيل وإرتداء الأقنعة، ولكن هنيئاً لمن يستثمر كل صفاته وملكاته في تكوين بُعده الرابع على الوجة الأكمل والشكل الأمثل.
دعونا نبحث سوياً كم مرة هاتفت شخصاً ما، وشعُرت بإرتياحٍ له وغلب على أحاسيسك السعادة البالغة من تكرار محادثة هذا الشخص ومن المرجح بأنك قد صادفتك صورته من قبل بأي طريقةٍ ما أو حتى لم ترها مطلقا فرسمتها في مُخيلتك من تِلقاء نفسك، حتى هذه اللحظة ما زال يتشكل أمامك بعدين فقط الأول والثاني “صوتا مسموعاً وصورة مرسومة”
لاحقاً وسريعاً قد يتطور الأمر لأبعد من ذلك بأن تطلب مُقابلة صاحب الصوت والصورة من أجل البحث عن البعد الثالث “البُعد الحسي” وقتها قد يزداد الإعجاب ويتحول لتعلق فتقترب ولكن بحذر أو تتغير الصورة وتبتعد بقلق، ريثما ابتعدت فما زال الأمر تحت السيطرة وفي متناول يدك.
في وقت الاقتراب تبحث عن ما يُسمى بالبُعد الرابع “اعماق الأعماق” ما زال الشغف يتملكننا، إحساس الرغبة في الإستكشاف يُسيطر علينا، الفُضول يقتُلنا من أجل الوصول للأعماق، وهنا قمة المخاطرة فإما أن نكون من سُعداء الحظ ونستمتع بواحدة من أجمل الشُعب المرجانية والمناظر الخلابة، وإما نتفاجئ ببراكين البحر المسجور وكائنات التوحش الشرسة، حين ذلك يصعب العودة لشاطئ النجاة.
تلك هي نظرية البُعد الرابع وباحثي الأعماق، نستخلص منها بأن جمال السطح ليس كل شئ وأن الجمال الحقيقي هو جمال العُمق وهُدوءه.
‎وبما أننا مُحملون بِالْكَثِيرِ مِنْ الخيبات وَالْوَجَع، بالتفاصيل الَّتِي تلاحقنا حَتَّى أرهقتنا، نَخْشَى الْفَقْد وَالْفِرَاق، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ يوجعنا.. الجميع مَرّ بتجربة قاسية عرف من خلالها الوجه الحقيقي للآلم، فلا مجال للغرق في نفس القيعان المظلمة، فطيب النفس ومرحها ورقتها وعذوبتها اجمل من اي شئ آخر. فجمال روحك لن يستطيع الزمن ان ينال منها، فقد تتجعد وجوهنا وتشيب رؤوسنا لكن ستبقى عُطور قُلوبنا ورياحين أوراحنا باقية أمد الدهر.
طمئن من حولك بجمال روحك، قدم لمن يدنو منك كل سبل الطمأنينة حتى تحيا ونحيا حياة بلا فزع بلا رعب من طعنات من نطمئن لهم.

“أحببتك مُرغماً ليس لأنك الأجمل، بل لأنك الأعمق، فعاشق الجمال غالبا أحمق” محمود درويش

نظرة الناس لنا تختلف: “فهناك من يرانا سيئين، وآخرون يرونا جيدين، وبعضهم يرونا رائعين وأما آخرون لا يرونا شيئاً”
ووحده الله تعالى من يراك على حقيقتك.. إعلم ذلك جيداً.

يبقى معك من رأوا الجمال في روحك.. أما المنبهرون بالمظاهر فيرحلون تباعاً

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *