الرئيسية ثقافة ورحل سيد حجاب شاعر البسطاء

ورحل سيد حجاب شاعر البسطاء

moda 2094
ورحل سيد حجاب شاعر البسطاء
واتساب ماسنجر تلجرام
بقلم/ ممدوح إبراهيم الطنطاوي
“رصـــــد الــــــوطــــــن”

ودعت الساحة الأدبية ومدونة الشعر العربي ليلة أمس الأربعاء 25 يناير الشاعر الكبير سيد حجاب عن عمر يناهز 77 سنة بعدحياة حافلة بالعطاء والوطنية ورحلة طويلة في واحة الإبداع حيث الوعي الجمالي وترجمة المشاعر إلى كلمات .. إنه شاعر البسطاء الإنسان المتواضع خفيف الظل ما إن يلتقيه شاعر صغير ويجلس معه إلا وتتبددت مشاعر التردد عنده .. لقد أدركت ذلك ولمسته بنفسي عدة مرات .. يسمعك ويناقشك ويشجعك.. وكأن صداقة بينكما منذ عقود مضت .. نعم إنه يبتسم إليك ويحنو عليك .. ولعل هذا ما بدا جليا في مشاعر محبيه وأصدقائه …
لقد تعرض الشاعر الكبير سيد حجاب أحد رواد شعر العامية بمصر والعالم العربي لأزمة صحية اقتضت سفره إلى الخارج لإجراء الفحوصات الطبية والأشعة اللازمة لحالته وقد أبدى المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء استعداد الدولة للتكفل بذلك تقديرا لقامته ودوره الوطني وفق ما جاء في خبر بجريدة اليوم السابع نقلا عن الكاتب الأستاذ حلمي النمنم وزير الثقافة وقد سافر حجاب إلى فرنسا لإجراء هذه الفحوصات وسط ترقب من الشعراء والأدباء والأوساط الثقافية والفنية وبخاصة محبيه من أهالي مدينة المطرية الذين ينتظرونه …
عاد سيد حجاب إلى أرض الوطن الذي عشقه وترنم بحبه ووطنيته ولم تمض بضعة شهور حتى ودعنا تاركا إرثا إبداعيا ثريا وعطاء لن ينضب ..
ولد السيد أحمد حجاب، يوم 23 سبتمبر عام 1940م في مدينة المطرية بالدقهلية التي تلقى بها تعليمه في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ثم التحق بكلية الهندسة قسم التعدين بجامعة الأسكندرية بناء على رغبة والده لكنه لم يكمل دراسته بها بسبب شغفه بالشعر …
لكنه اتجه إلى دراسات حرة في المسرح وعمل كباحث في الإدارة النقابية لهيئة المسرح خلال عامي 1964 و 1965م ثم كاتبا للطفل في عدة مجلات وصحف كسمير وميكي ثم رئيسا للقسم الأدبي في مجلة الشباب خلال عامي 1973 و 1974م …
بدأت موهبته الشعرية على ضفاف بحيرة المنزلة متأثرا بالتراث الشفاهي للصيادين .. وفي هذه البيئة الخصبة نشأ وترعرع سيد حجاب مثله مثل المبدعين من أبناء مدينة الصيادين كفنان الشعب زكريا الحجاوي .. ليصبح علما من أعلام الشعر العربي وأيقونة مقدرة من أيقونات العامية المصرية …
والده كان معلمه الأول الذي وفر له هذا الجو المعبق بزخم التلقائية والإبداع فكان يصطحبه إلى جلسات الصيادين وحفلات السمر فبدأ ححاب يحاكي أهازيجهم ومقطعاتهم الشعرية وظل وفيا لأهل بلده يذكرهم دائما بالخير ويعرب عن مشاعره الفياضة تجاههم في كل محفل ولقاء …
وقد سمعت من الشاعر سيد حجاب في أكثر من لقاء ومهرجان حضرته ثناءه على معلمه شحاتة سليم نصر مدرس التربية الفنية بمدرسة أحمد ناهر الثانوية بمدينة المطرية الذي كان يشجعه لمواصلة طريقة في واحة الشعر ويتعامل معه كصديق ورفيق …
صقلت موهبته الشعرية وتنامت شيئا فشيئا وبدأ نجمه يلمع في سماء الإبداع بعد أن التقى عددا من كبار الشعراء من جيل العمالقة وفي مقدمتهم عمنا صلاح جاهين والخال الشاعر عبد الرحمن الأبنودي
الذي نعاه سيد حجاب قائلا: “الأمة العربية والشعب المصري خسروا أحد أهم الأصوات التي دافعت عن حقوق البسطاء والمظلومين”
وبدأ حجاب يخطو خطوات ثابتة متوثبة مع إصدار أول دواوينه “صياد وجنيه” وعمله بالتناوب مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في تقديم برنامج “عمار يا مصر” ثم قدم برنامج “أوركسترا” وبرنامج “بعد التحية والسلام”.
ولشاعرنا سيد حجاب العديد من الدواوين التي تجلى فيها إبداعه في العامية المصرية حيث صدحت قصائده وأغانيه بأحاسيس مرهفة ومفردات ثرية بالمعاني والصور الشعرية الرائعة ومنها:
● صياد وجنية، دار ابن عروس، القاهرة 1964.
● الأعمال الشعرية الكاملة، الجزء الأول، دار الفكر، القاهرة1986.
● مختارات سيد حجاب، مكتبة الأسرة، هيئة الكتاب2005.
ومن أشهر أغانيه: لروحنا نعود، ويا مصري، والحدود، وهنا القاهرة، وشوك وضل، وإيه يا بلاد يا غريبة، وعيون، وهو الطريق، والله يا سيدي، ونفسي أنا، وبحب البحر، وحبيبتي من ضافيرها طل القمر، ودنيتنا موجة، ونسمة الحرية
ومن روائع أشعاره أغاني ومقدمات ونهايات العديد من الأعمال الإذاعية والتليفزيونية وبخاصة مسلسلات: الأيام، وعصفور النار، وليالي الحلمية، والمال والبنون، وبوابة الحلواني، وبابا عبده، وأرابيسك، والوسية، والعائلة، ومين اللي ما يحبش فاطمة، والأصدقاء، والقاهرة 2000، وأميرة في عابدين، والليل وآخره، والحقيقة والسراب، ومبروك جالك ولد، والأراجوز، والبحار مندي، وشمس الأنصاري، والمرسى والبحار، وقال البحر، والخيول تنام واقفة، وكناريا، وشركاه، وقمر على بوابة المتولي، وحارة خمس نجوم، وغوايش، وفرعون، وهيما، وابن موت، وغيرها.
كما كتب العديد من أغاني المسرحيات والأفلام التالية: الواد سيد الشغال، والكيت كات، وأبو علي، وحكاية الواد بلية، وريا وسكينة.
وللشاعر سيد حجاب صولات وجولات في عالم السياسة فهو صاحب رأي صريح في كثير من مجريات الأمور والأحداث السياسية منذ شبابه ودفع ضريبة تلك المواقف فقد تعرض للاعتقال لمدة 5 شهور إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الشاعر الكبير سيد حجاب وتوقيعه على حملة تمرد ضد نظام مرسي وحكم الأخوان كما قرر الانسحاب من لجنة الـ 50 احتجاجاً عل اعتقال الشرطة عددًا من المتظاهرين أمام مجلس الشورى، كما وصف قانون التظاهر بـ “قانون الببلاوى لمنع التظاهر” وكتابته مقدمة الدستور المصري الحالي …
وقد حصل الشاعر الكبير سيد حجاب على العديد من الجوائز والتكريم مثل تكريمه باتحاد الكتاب بمصر وحصوله على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب التي كتب عنها قائلا : “جاءت متأخرة لكنى سعيد بنيلها بعد الثورة”
تميز عمنا سيد حجاب بخفة الظل وروح الدعابة والتواضع وكثيرة هي كلمات عمنا سيد حجاب التي يرددها الناس في كل أرجاء الوطن العربي لتبقى مطبوعة في وجدانهم حتى صارت بعضها حكما يرددها العامة قبل الخاصة من الشعراء والمطربين والفنانين …
لقد التقيت الشاعر سيد حجاب لأول مرة في مهرجان زكريا الحجاوي بقصر الثقافة بمدينتنا المطرية بمحافظة الدقهلية منذ أكثر من خمسة عشر عاما فأهديته نسخة من كتابي تاريخ المطرية عروس الدقهلية وكنت محرجا إذ كتبت ترجمة عن عم سيد حجاب كعلم من أعلام بلدي لكني لم أك قد وفيته حقه فقال لي: ” أشكرك .. آه شوفته .. لي صفحايه به ” وظللت محرجا طوال المهرجان بسبب أدبه وتواضعه ولباقته فقد عاتبني من دون تكبر أو فظاظة .. وعندما ألقيت في المهرجان قصيدتي “الشيخ عليش” تبسم وما أن انتهيت حتى رد على قصيدة التي أهاجم فيها النساء بقصيدة رائعة يلطف بها جو المهرجان ويحنو فيها على المرأة وكان مطلعها: “سبحانه من سوا حوا … شجره طراحه”
يقول صديقه الفنان التشكيلي أحمد عميرة وكيل وزارة الثقافة بالسويس سابقا: “سيد حجاب الشاعر الإنسان صاحب أدق توصيف لمدينتى المطرية:
بلدنا بحيرة ومادنه
وأحلام عددنا
وآلام تزيد عن عددنا
لم يقل أحد مثل هذا الوصف وهذه الدقة التي تمتاز بها المطرية وكأنه تفاخر بها “آلام تزيد عن عددنا”
سيد حجاب القامة العالية المتفردة .. كنا حينما ندعوه.. يأتى إلينا مهرولا فى سيارته الخاصة ولا يحملنا أية مشقة .. شديد الذكاء واللماحية ومازال … يحنو على الشعراء الصغار ويناوشهم ويستمع إليهم فى سعادة و بلا ملل فى تواضع شديد يقول لهذا كلمة ولهذا قفشة حتى يزيح عنهم الرهبة .. وهم يتدافعون من حوله .. سيد حجاب المثقف الإنسانى والذى راجع نفسه أكثر من مرة وعدل وطور فكره بكل شفافية .. مازال منحازا للفقراء .. كنت عائدا من عملى بالمنصورة فى سيارتى إلى المطرية فى ليلة من ليالى شهر رمضان .. السكون يخيم على الطريق المزدحم دائما .. بدده صوته المحبب لى ساريا فى سكون الليل وفى وجدانى يتحدث عبر المذياع بصوت العرب فى خب وشغف عن مدينته المطرية .. الصيادون .. الشيخ فانوس صاحب البقالة المتنقلة على صدره .. الشيخ على نحلة الذى كان يجمع ورق البلدة فى جيوبه .. الكباس كل تفاصيل البلد يسردها فى حب وأنا معه لم اشعر بغربة الطريق وطوله لكني أحسست بمتعة لا يضاهيها إلا العودة لهذا الزمان الذي يترنم به .. سيد الإنسان”
ويقول الشاعر الأستاذ إبراهيم حمزة: ” ذات يوم كنت فى القاهرة ، ذهبت للمهندسين ، وصعدت لعمارة سكنية ، وضربت الجرس ، فتحت الخادمة ، قلت لها أريد الأستاذ سيد حجاب ، وفى لحظات وجدته أمامي ، قلت له أنا فلان من المطرية دقهلية ، رحب بي ومن هنا بدأت علاقة .. كأنه يعرفني من سنوات طويلة ، حدثنى يومها عن علاقته ببليغ حمدي ورأيه فى صلاح جاهين ، مرت فترة وجاء إلى المطرية والتقينا ، ثم تكررت اللقاءات ، وأجريت معه عدة حوارات وكتبت عنه ، ورغم ذلك ، فما زالت الكتابة عنه لا تشف غليلي أما نبع رائق مثل إبداع سيد حجاب ، سيد حجاب نموذج للمثقف المصري الخلوق المعطاء، وصاحب دور فى البحث عن المبدعين ، ظل فترة يكتب بجريدة القاهرة بابا بعنوان شاعر جديد أعجبني نفس العنوان الذي اختاره جاهين يوما ما وكتب عن سيد حجاب فى بداياته”.
وأخيرا نسأل الله العلي القدير أن يرحم شاعرنا الكبير وأن يتغمده الله بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهمنا وأهله الصبر والسلوان
وأترككم في نهاية مقالي مع هذه الكلمات الثرية بمعانيها العظيمة وعبقها الخاص …
■ ندق ندق بوابة الحياة بالإيدين قومي
قومى افتحى لولادك الطيبين قومى
و اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى
و عشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات
■ وادى و بوادى و بحور و كفور و موانى
توحيد و فكر و صلاة
تراتيل , غنا و ابتهالات
و كل ده فى مصر يا ولاد حلوة الحلوات
■ باحلم بدنيا تحبها ناسها
وتحب ناسها تشيلها فوق راسها
والحب ساسها وداب في أنفاسها
والعيد ليلاتي يدق أجراسها
■ ما تسرسبيش يا سنينّا من بين إيدينا
وما تنتهيش.. داحنا يا دوب ابتدينا
واللى له أول.. بكره ح يبان له آخر
وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا
■ قالو زمان دنيا دنية غرورة.. وقلنا و اللي تغره يخسر مصيره
قالوا الشيطان قادر و له ألف صورة .. قلنا ما يقدر ع اللى خيره لغيره
ايه معنى دنيتنا و غاية حياتنا اذا بعنا فطرتنا البرئية الرقيقه
وازاي نبص لروحنا جوا مرايتنا اذا احنا عشنا هربانين م الحقيقة
■ أيام.. ورا أيام.. ورا أيام
لا الجرح يهدا.. ولا الرجا بينام
ماشى ف طريج الشوج.. لكن جلبى
مطرح ما يمشى يبدر الأحلام
■ ليه يا زمان ما سبتناش أبريا؟!
وواخدنا ليه فى طريق مامنوش رجوع؟!
أقسى همومنا.. يفجر السخرية!
وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع!
■ يمكن ساعات صوت الحقيقة أخرس جريح
يمكن يكون صوت الضلال عالى وفصيح
يمكن يتوه الحق فى الكدب الصريح
لكن أكيد الحق حق ولا يصح إلا الصحيح
■ يا ويلنا يا سواد ليلنا لما الوطن
يصبح نهيبة للفساد والعطن
ما تصدقوش ديب مهما غنى ورطن
وما تحبسوش النور ورا الأسوار
■ والدنيا مش كل يوم بتقف مع المظلوم
إلا إذا اللى انظلم وقف وقال حقّى
وساعتها ييجى يا ظالم يومك المعلوم
تترد فيه المظالم واستعيد حقي
■ آه من هدير البحر لما يزوم!
آه من فحيح الريح لما تقوم!
يوم بعد يوم.. طير المصير بيحوم
والدنيا ماشية فى طريق مرسوم
■ كأنه عمال يقرّب منى ليل نهار!
ويوم ورا التانى .. يقطف أطهر الأزهار
خطف أسامة..خطف عم اسماعيل..واندار
يقصف ربيعنا! يا خوفى لا النهار ينهار!!
■ الشمس فاكهة الشتا.. الحب.. زهرة الربيع
مين يشتري حكمة حياتي الميتة.. ويردني رضيع!!

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *