الرئيسية خواطر وفــــاء و عــــرفـــان

وفــــاء و عــــرفـــان

moda 1722
وفــــاء و عــــرفـــان
واتساب ماسنجر تلجرام
بقلم / أ.ح عميد رؤوف جنيدى
“رصــــــــــــــد الـــــوطــــن”

دموع تتراقص فى العيون . وقلب يترنح مذبوحا من الالم على لحن انين شجى يختلج به صدر هذا الزوج . الذى يعتصر الما وترقبا كله القلق والحيرة . على جسد أهلكه العمر وأتت على شبابه الأيام . فيبدو أن الفراق آت . وهو لا محالة آت . فالأجل اذا جاء لا يستأخر ساعة ولا يستقدم . كما أنبأنا العليم الخبير . وكما تطلعنا قسمات وجه الزوج وملامح عينيه التى قطعت شوطا فى التأبين .

وشاركت شخوص على وجهه فى موكب جنائزى حزين قبل أن يبدأ . وعادة لا تخيب الظنون فى مثل هذا العمر . فمن كان يشعر طيله حياته متى كانت تتراقص الحياة فى أوصالها . هو نفسه من سيعرف متى ستنسحب من على خشبة مسرحها . ومن كان يعرف طيلة حياته متى كانت تزداد ضربات قلبها سعادة . هو نفسه من سيعرف الآن انها آخذة فى التوقف . ومن كان يجلس تحت أنفاسها يشعر بأنس شهيقها ودفء زفيرها هو نفسه من سيعرف الآن أن الأنفاس بدت متلاحقة متعجلة _ تمهلى يا رفيقة العمر _ وكأنها أخبرته كم تبقى لها من أنفاس . وهو الوفاء فى أجل صوره . فما خبأت عنه شيئا ولا حجبت عنه قولا حتى فى بقايا العمر ……

يرمى الرجل بسهام نظراته مخترقا بإيلام وإيلاف عشرات السنين التى مضت . إيلام سنوات عجاف أتت على الأخضر منها واليابس . امتصت رحيق زهرتها وشذاها . وتركت له غلافا خالى الوفاض . واوراقا أبلاها الدهر تنبئ بقاياها عن نضارة كانت . وعبق كم عطر صدره وشرح فؤاده . ترقد اليوم فى صمت أمام عينيه بقايا أنشودة كم تغنى بحبها وعزف على اوتار قلبها لحن وفاءه . تلك الزهرة التى كم تشمم منها رائحة الوجود وعبق البقاء . عاش فى كنفها وبين حنايا أضلعها أجمل سنوات عمره . فكانت عروسه التى حلق معها فى آفاق الحب والوفاق محمولا على أجنحة وجدانها . ملتحفا بشغاف قلبها . متهدهدا يكفيها اللتان سقياه الحب سقيا . وصبتا فوق رأسه الود صبا . كما تنبئ ملامح وجهها التى تحمل سماحة وطيبة لسنوات طوال . ما بخلت فيها بوجدان وماضنت فيها بحب . وإيلافا منه لربيع عمرها وبعد أن بثت له من نفسها الطاهرة رجالا كثيرا ونساءا وزينت حياته بزينة الحياة الدنيا من بنين وحفدة …

يعرج الرجل بنظراته على درجات عمرها وسنواته … متأملا كل محطات سخآءها . دارت أمامه الآن ماكينة عطاءها مدوية بهدير العرفان الذى يعلو فى أذنيه مع كل مولود من أبناءه …… كم حملت وهنا على وهن … كم وضعت كرها وعذابا … كم أرضعت من رحيق عافيتها … كم فطمت وتحملت آلام فطام وليدها … كم سهرت ليالى تؤنس القلٍق من أبناءها . وتهدهد النائم منهم . وتطبب المريض . وتنتظر الغائب . وتودع المسافر … ياله من عطاء لا يضاهيه عطاء . وكيف يرد عليه الزوج الا بدموع عينيه وملامح وجه يعترف معلنا عرفانه بطيب عشرتها …

ويعرج الرجل بنظراته فوق جسدها المنهك الذى أعطى كل ما لديه فازداد قدسية فى نظره . يزين جسدها وجها بشوشا وقلبا عامرا برضا الله وتقواه . وذكره الذى تنطق به حبات مسبحتها التى تتدلى من خلفها شاهدة على نورانية الروح . وبركة أصابع كم انسابت بينها حبات هذة المسبحة .. مسبحة ربها ثلاثا وثلاثين . حامدة ربها ثلاثا وثلاثين . مكبرة ربها ثلاثا وثلاثين . بعد أن أدت فرض ربها وفرض أبناءها وأحفادها على مدار عمرها الذى ولى . ومازالت تؤنس وحشة زوجها بأنفاسها الدافئة . وتشيع الأمل فى غرفتها بضربات قلبها الحانية ودعواتها التى لا تنقطع لزوجها …الا يضل من بعدها ولا يشقى . والا يجوع من بعدها ولا يعرى . والا يظمأ من بعدها ولا يضحى . وما العجب وهى قبس من رحمة الله فى الأرض .

أماه : قسما بحنايا أضلعك التى احتضنت .. قسما بضربات قلبك التى هدهدت .. قسما بثنايا كفيك التى أعطت .. قسما بجوارحك الذى دعت وابتهلت . قسما بأصابعك التى سبحت وكبرت ..قسما بطيب ريحك الذى يملأ المكان عبقا وعطرا . لو جاءتك الدنيا راكعة تحت قدميك ما وفتك حقك .. ولو بوسعنا لأهديناك الشمس والقمر ولكنهما بحسبان …
نعم : من آيات الله أن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة .. وها هى المودة والرحمة تتجلى فى أروع صورها … زوجة حنون أعطت فأجزلت العطاء .. وزوج حان تحمل نظراته كل معانى الود والعرفان … فاللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ..
فيا كل زوج ….. نظرة وفاء وعرفان …..

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *