الرئيسية مقالات الكتاب التفاعل بين الفكر الإنساني والسياق المجتمعي

التفاعل بين الفكر الإنساني والسياق المجتمعي

moda 5641
التفاعل بين الفكر الإنساني والسياق المجتمعي
واتساب ماسنجر تلجرام
بقلم / الباحثة ميادة عبدالعال
“رصــــد الـــــــــوطــــــــن”

هو ما يعني ضرورة ربط الإنتاجات الفقهية بالقضايا الملحة الراهنة للمجتمع العربي. ومن الطبيعي، في نظري، الاستناد إلى الاجتهادات السابقة في معالجة الأسئلة الحالية شريطة الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المعرفية التي تتطلب مقاربة خاصة تسهم بشكل فعال في ضمان حضور قوي للقيم الدينية المنفتحة ,إذ كان الفقيه عارفا بأمور الدين وأحكامه، وفي نفس الوقت، ملما بتفاصيل مجالات علمية ومعرفية متنوعة من قبيل المنطق والرياضيات واللغة والفلسفة وعلم الكلام والطب وغيرها.

وعلى خلاف ذلك، نلاحظ في الحاضر أن “الفقيه التقليدي” سجين لما ورد في المتون العريقة كما هي بلا زيادة أو نقصان، حيث لا يمتلك الآليات الضرورية التي تؤهله للإسهام في تطوير التفكير في الدين وحول الدين. وعلى الرغم من بعض الحالات المعدودة لعلماء وفقهاء خبروا القضايا الدينية، وتمرسوا على القراءة الإسلامية المنفتحة على ميادين علمية متعددة، تظل الحاجة ماسة لتكوين الأطر الفكرية، ليس فقط في حدود المعرفة الفقهية الخالصة، وإنما في المهارات والمعارف المتصلة بتحليل الخطاب ومفاهيم المنطق التداولي والسيميائيات واللغات والفلسفة والعلوم المعرفية وغيرها.

فلا غرابة، أمام غياب تأهيل حقيقي للفاعل الديني،لا يمكن المقارنة بين المعرفة الدينية والمعرفة العلمية نظرا للتمايزات الموجودة بينهما، إن على مستوى المنطلقات أو على مستوى الغايات، وإن كانت الاستعانة بالعلوم مفيدة لفهم المعطيات الدينية وتأويل معانيها وتنسيق مقتضياتها.

ومن ثمة ينبغي التأكيد على أن الدين خطاب مطلق يعمد إلى تأصيل تصورات ممتدة زمانيا ومكانيا، بينما العلم خطاب نسبي يقوم على تشييد نماذج معرفية تخضع باستمرار لإعادة التشييد والمراجعة النقدية الصارمة. غير أن اللجوء إلى العلوم المختلفة في مقاربة الدين يشكل مدخلا مهما لإدراك التصورات الدينية وكيفية اشتغال بنياتها العميقة، حيث إن المفاهيم المعرفية والآليات العلمية المتوسل بها في معالجة الإشكالات الدينية تسعف في استيعاب التفكير الديني، يحتل الخطاب الإعلامي موقعا حيويا في التفاعل مع مختلف المعطيات والمعارف، بما فيها المعرفة الدينية، بحكم إعماله للقواعد الاحترافية والضوابط المهنية في تحويل المعرفة التقنية المخصوصة إلى معرفة جماهيرية عامة وميسرة.

وهنا تبرز الحاجة إلى إعلام متخصص في قضايا الدين، ليس بالمعنى الوظيفي الذي يفيد ضرورة إنشاء وسائط إعلامية دينية، وإنما بالمعنى المعرفي القاضي بتكوين صحافيين مؤهلين ومدركين لمفاهيم وتصورات الدين وما يزيد من تعقد المشكل الإعلامي في الميدان الديني عدم الاكتفاء بالوسائط التواصلية التقليدية، بل اللجوء إلى استغلال الوسائط الجديدة، وخاصة التواصل الرقمي والافتراضي.

وعلى هذا الأساس، يصبح الخطاب الإعلامي عاملا مساعدا على تأزيم الخطاب الديني وبالأخص في ما يتعلق بإشاعة أفكار مغلوطة باسم الدين الإسلامي من قبيل الحث على الكراهية والدعوة إلى العنف والتفكير بالتكفير. ولعل ما نشهده اليوم من تداول خطابات إعلامية سطحية ومذهبية حول تصور خاطئ للإسلام يدل دلالة واضحة على أن المساحات الإعلامية تعيش تحت وطأة توجهات دينية متعصبة ومتطرفة. وهذا الوضع المتفاقم يدعو الجميع إلى إعادة النظر في علاقة الخطابين الإعلامي والديني، لإقامة التوازن المطلوب بينهما من أجل التأسيس لخطاب موحد مؤثر.

ويتمثل الهدف من توحيد الخطاب عقلنة الاختلافات والتعددية الدينية لدعم البعد الإنساني للدين ,ليس التجديد أن نجاري الغرب في فصله للدين عن الدنيا، وليس هو العمل المرتجل، أو الثائر العنيف الذي يفسد ولا يصلح، ولكنه التجديد الحكيم، والرشيد، والمسؤول، الذي يراعي مقاصد الشرع ويأخذ بفقه الأولويات، ويضع القائمون عليه في اعتبارهم المصلحة العامة والضرورات التي تُقدَّر بقدرها، من دون تجاوز للثوابت في نصوص القرآن الكريم وصحيح الحديث النبوي. فهذه النصوص لا يلحقها التجديد، لأنها هي الثوابت القطعية والقواعد الكلية للدين الحنيف

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *